الغار الثاني - أمرٌ طبيعيّ
أرَى أمَّةً في الغَارِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ تَعُودُ إليهِ حِينَ يَفْدَحُهَا الأَمْرُ
ألَمْ تَخْرُجِي مِنْهُ إلى المُلْكِ آنِفا كَأنَّكِ أنْتِ الدَّهْرُ لَوْ أنْصَفَ الدَّهْرُ
فَمَالَكِ تَخْشَيْنَ السُّيُوفَ بِبَابِهِ كَأمِّ غَزَالٍ فِيهِ جَمَّدَهَا الذُّعْرُ
تَقَوَّسّ مِنْهَا ظَهُرُهَا فَكَأنَّهَا هِيَ الكُرَةُ الشهْبَاءُ لَيْسَ لَهَا ظَهْرُ
قَدِ ارْتَجَفَتْ فَابْيَضَّ بِالخَوْفِ وَجْهُهَا وَقَدْ ثُبَّتَتْ فَاسْوَدَّ مِنْ ظِلِّها الصَّخْرُ
دَخَلْتِ إِلَيْهِ اثْنَيْنَ أوَّلَ مَرَّةٍ نَبِيّـا وَصِدِّيْقا وَشَى بِهِمَا الوَعْرُ
يُخَبِأ كُلٌّ فَجْرَهُ فِي رِدَاءِهِ حِذَارَ سُيُوفٍ لَا يَرُوْقُ لَهَا الفَجْرُ
وَمَا خَافَ حُرٌ مِنْهُمَـا حُكْمَ رَبِّهِ وَلَوْ خَافَ يَا أمُّ كَانَ لَهُ العُذْرُ
فَلَمَّـا غَدَوْتِ اليَوْمَ يَا أمُّ أمَّةً شُعُوبا شُعُوبا لَا يُحِيطُ بِهَا الحَصْرُ
دَخَلْتِ إلَيْهِ تَحْتَمِيْنَ مِنَ العِدَا وَفِيْكِ عِمَادُ الحَرْبِ وَالعَسْكَرُ الـمَجْرُ
فَلَنْ تَحْرُسَ الغَارَ الجَدَيْدَ حَمَامَةٌ وَلَا مِنْ خُيُوطِ العَنْكَبُوتِ لَهُ سِتْرُ
أيَا أمَّةً فِي الغَارِ تَبْغِي حِمَايَةً مِنَ الطَّيْرِ مَعْذُوْرٌ إذَا خَانَكِ الطَّيْرُ
وَيَا مَنْ أمَرْتِ النَّاسَ بِالصَّـبْرِ إنَّنِي أرَى الصَّـبْرَ لَا يَفْنَى وَقَدْ فَنِيَ العُمْرُ
يا أمَّتي يَا ظَبْيَةً فِي الغَارِ ضَاقَتْ عَنْ خُطَاها كُلُّ أقْطَارِ الـمَمَالِكْ
في بالِهَا لَيْلُ المذَابِحِ والنُّجُومُ شُهُودُ زُورٍ في البُرُوجْ
فِي بَالِهَا دَوْرِيَّةٌ فِيهَا جُنُودٌ يَضْحَكُونَ بِلَا سَبَبْ
وَتَرَى ظِلالاً لِلْجُنُودِ عَلَى حِجَارَةِ غَارِهَا
فَتَظُنُّهُمْ جِنّـا وتَبْكِي:
"إنَّهُ الـمَوْتُ الأَكِيدُ وَلَا سَبِيلَ إِلَى الهَرَبْ"
يَا ظَبْيَتِي مَهْلاً... تَعَالَيْ وَانْظُرِي
هَذَا فَتًى خَرَجَ الغَدَاةَ وَلَمْ يُصَبْ
في كَفِّـهِ حَلْوَىً، يُنَادِيكِ: "اخْرُجِي، لا بَـأسَ يَا هَذِي عَلَيكِ مِنَ الخُرُوجْ"
وَلْتَذْكُرِي أيَّامَ كُنْتِ طَلِيقَةً
تَهْدِي خُطَاكِ النَّجْمَ فِي عَلْيَائِهِ
وَاللهُ يُعرَفُ مِنْ خِلالِكْ
يا أمَّنا، وَالـمَوْتُ أبْلَهُ قَرْيَةٍ
يَهْذِي وَيسْرِقُ مَا يَطِيبُ لَهُ مِنَ الثَّمَرِ الـمُبَارَكِ فِي سِلالِكْ
وَلأَنَّهُ يَا أمُّ أبْلهُ فَهْوَ لَيْسَ بِمُنْتَهٍ مِنْ أَلْفِ عَامٍ عَنْ قِتَالِكْ
حَتَّى أتَاكِ بِحَامِلاتِ الطَّائِرَاتِ وَفَوْقَهَا جَيْشٌ مِنَ البُلَهَاءِ يَسْرِقُ مِنْ حَلالِكْ
وَيَظُنُّ أنَّ بِغَزْوَةٍ أوْ غَزْوَتَيْنِ سَيَنْتَهِي فَرَحُ الثِّمَارِ عَلَى تِلَالِكْ
يَا مَوْتَنَا يَشْفِيكَ رَبُّكَ مِنْ ضَلالِكْ!
يَا أمَّتي يا ظبية في الغَارِ مَا حَتْمٌ عَـلَيْنَا أَنْ نُحِبَّ ظَلامَهُ
إِنِّي رَأيْتُ الصُّبْحَ يَلْبِسُ زِيَّ أطْفَالِ الـمَدَارِسِ حَامِلاً أقْـلَامَهُ
وَيَدُورُ مَا بَيْنَ الشَّـوَارِعِ بَاحِثا عَنْ شَاعِرٍ يُلْقِي إِلَيْهِ كَـلَامَهُ
لِيُذِيعَهُ للكَوْنِ فِي أفُقٍ تَلَوَّنَ بِالنَّدَاوَةِ وَاللَّهَبْ
يَا أمَّتِي يَا ظَبْيَةً في الغَارِ قُومِي وَانْظُرِي
الصُّبْحُ تِلْمِيذٌ لأَشْعَارِ العَرَبْ
يا أمَّنَا أنَا لَسْتُ أعْمَىً عَنْ كُسُورٍ فِي الغَزَالَةِ
إنَّهَا عَرْجَاءُ ... أَدْرِي
إِنَّهَا، عَشْوَاءُ ... أَدْرِي
إنَّ فِيهَا كُلَّ أوْجَاعِ الزَّمَانِ وَإنَّهَا
مَطْرُودَةٌ مَجْلُودَةٌ مِنْ كُلِّ مَمْلُوكٍ وَمَالِكْ
أدْرِي وَلَكِنْ لَا أرَى فِي كُلِّ هَذَا أيَّ عُذْرٍ لِاعْتِزَالِكْ
يَا أمَّنا لَا تَفْزَعِي مِنْ سَطْوَةِ السُّلْطَانِ
أيَّةُ سَطْوَةٍ؟
مَا شِئْتِ وَلِّي وَاعْزِلِي
لا يُوْجَدُ السُّلْطَانُ إلا في خَيَالِكْ
يَا أمَّتي يا ظَبْيَةً فِي الغَارِ تَسْـألُني وَتُلحِفُ: "هَلْ سَأَنْجُو؟"
قُلْتُ: " أَنْتِ سَألْتِنِي مِنْ ألْفِ عَامٍ
إنَّ في هَذَا الإِجَابَةَ عَنْ سُؤَالِكْ"
يَا أمَّتِي أدْرِي بأنَّ الـمَرْءَ قَدْ يَخْشَى الـمَهَالِكْ
لَكِنْ أذَكِّرُكُمْ فَقَطْ فَتَذَكَّرُوا
قَدْ كَانَ هَذَا كُلُّهُ مِنْ قَبْلُ وَاجْتَزْنَا بِهِ
لا شَيْءَ مِنْ هَذَا يُخِيْفُ
وَلا مُفَاجَأَةٌ هُنَالِكْ
يَا أمَّتِي ارْتَبِكِي قَلِيلاً
إِنَّهُ أَمْرٌ طَبِيْعِيٌّ
وَقُومِي
إنه أَمْرٌ طَبِيْعِيٌّ كَذَلِكْ
تميم البرغوثي
أرَى أمَّةً في الغَارِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ تَعُودُ إليهِ حِينَ يَفْدَحُهَا الأَمْرُ
ألَمْ تَخْرُجِي مِنْهُ إلى المُلْكِ آنِفا كَأنَّكِ أنْتِ الدَّهْرُ لَوْ أنْصَفَ الدَّهْرُ
فَمَالَكِ تَخْشَيْنَ السُّيُوفَ بِبَابِهِ كَأمِّ غَزَالٍ فِيهِ جَمَّدَهَا الذُّعْرُ
تَقَوَّسّ مِنْهَا ظَهُرُهَا فَكَأنَّهَا هِيَ الكُرَةُ الشهْبَاءُ لَيْسَ لَهَا ظَهْرُ
قَدِ ارْتَجَفَتْ فَابْيَضَّ بِالخَوْفِ وَجْهُهَا وَقَدْ ثُبَّتَتْ فَاسْوَدَّ مِنْ ظِلِّها الصَّخْرُ
دَخَلْتِ إِلَيْهِ اثْنَيْنَ أوَّلَ مَرَّةٍ نَبِيّـا وَصِدِّيْقا وَشَى بِهِمَا الوَعْرُ
يُخَبِأ كُلٌّ فَجْرَهُ فِي رِدَاءِهِ حِذَارَ سُيُوفٍ لَا يَرُوْقُ لَهَا الفَجْرُ
وَمَا خَافَ حُرٌ مِنْهُمَـا حُكْمَ رَبِّهِ وَلَوْ خَافَ يَا أمُّ كَانَ لَهُ العُذْرُ
فَلَمَّـا غَدَوْتِ اليَوْمَ يَا أمُّ أمَّةً شُعُوبا شُعُوبا لَا يُحِيطُ بِهَا الحَصْرُ
دَخَلْتِ إلَيْهِ تَحْتَمِيْنَ مِنَ العِدَا وَفِيْكِ عِمَادُ الحَرْبِ وَالعَسْكَرُ الـمَجْرُ
فَلَنْ تَحْرُسَ الغَارَ الجَدَيْدَ حَمَامَةٌ وَلَا مِنْ خُيُوطِ العَنْكَبُوتِ لَهُ سِتْرُ
أيَا أمَّةً فِي الغَارِ تَبْغِي حِمَايَةً مِنَ الطَّيْرِ مَعْذُوْرٌ إذَا خَانَكِ الطَّيْرُ
وَيَا مَنْ أمَرْتِ النَّاسَ بِالصَّـبْرِ إنَّنِي أرَى الصَّـبْرَ لَا يَفْنَى وَقَدْ فَنِيَ العُمْرُ
يا أمَّتي يَا ظَبْيَةً فِي الغَارِ ضَاقَتْ عَنْ خُطَاها كُلُّ أقْطَارِ الـمَمَالِكْ
في بالِهَا لَيْلُ المذَابِحِ والنُّجُومُ شُهُودُ زُورٍ في البُرُوجْ
فِي بَالِهَا دَوْرِيَّةٌ فِيهَا جُنُودٌ يَضْحَكُونَ بِلَا سَبَبْ
وَتَرَى ظِلالاً لِلْجُنُودِ عَلَى حِجَارَةِ غَارِهَا
فَتَظُنُّهُمْ جِنّـا وتَبْكِي:
"إنَّهُ الـمَوْتُ الأَكِيدُ وَلَا سَبِيلَ إِلَى الهَرَبْ"
يَا ظَبْيَتِي مَهْلاً... تَعَالَيْ وَانْظُرِي
هَذَا فَتًى خَرَجَ الغَدَاةَ وَلَمْ يُصَبْ
في كَفِّـهِ حَلْوَىً، يُنَادِيكِ: "اخْرُجِي، لا بَـأسَ يَا هَذِي عَلَيكِ مِنَ الخُرُوجْ"
وَلْتَذْكُرِي أيَّامَ كُنْتِ طَلِيقَةً
تَهْدِي خُطَاكِ النَّجْمَ فِي عَلْيَائِهِ
وَاللهُ يُعرَفُ مِنْ خِلالِكْ
يا أمَّنا، وَالـمَوْتُ أبْلَهُ قَرْيَةٍ
يَهْذِي وَيسْرِقُ مَا يَطِيبُ لَهُ مِنَ الثَّمَرِ الـمُبَارَكِ فِي سِلالِكْ
وَلأَنَّهُ يَا أمُّ أبْلهُ فَهْوَ لَيْسَ بِمُنْتَهٍ مِنْ أَلْفِ عَامٍ عَنْ قِتَالِكْ
حَتَّى أتَاكِ بِحَامِلاتِ الطَّائِرَاتِ وَفَوْقَهَا جَيْشٌ مِنَ البُلَهَاءِ يَسْرِقُ مِنْ حَلالِكْ
وَيَظُنُّ أنَّ بِغَزْوَةٍ أوْ غَزْوَتَيْنِ سَيَنْتَهِي فَرَحُ الثِّمَارِ عَلَى تِلَالِكْ
يَا مَوْتَنَا يَشْفِيكَ رَبُّكَ مِنْ ضَلالِكْ!
يَا أمَّتي يا ظبية في الغَارِ مَا حَتْمٌ عَـلَيْنَا أَنْ نُحِبَّ ظَلامَهُ
إِنِّي رَأيْتُ الصُّبْحَ يَلْبِسُ زِيَّ أطْفَالِ الـمَدَارِسِ حَامِلاً أقْـلَامَهُ
وَيَدُورُ مَا بَيْنَ الشَّـوَارِعِ بَاحِثا عَنْ شَاعِرٍ يُلْقِي إِلَيْهِ كَـلَامَهُ
لِيُذِيعَهُ للكَوْنِ فِي أفُقٍ تَلَوَّنَ بِالنَّدَاوَةِ وَاللَّهَبْ
يَا أمَّتِي يَا ظَبْيَةً في الغَارِ قُومِي وَانْظُرِي
الصُّبْحُ تِلْمِيذٌ لأَشْعَارِ العَرَبْ
يا أمَّنَا أنَا لَسْتُ أعْمَىً عَنْ كُسُورٍ فِي الغَزَالَةِ
إنَّهَا عَرْجَاءُ ... أَدْرِي
إِنَّهَا، عَشْوَاءُ ... أَدْرِي
إنَّ فِيهَا كُلَّ أوْجَاعِ الزَّمَانِ وَإنَّهَا
مَطْرُودَةٌ مَجْلُودَةٌ مِنْ كُلِّ مَمْلُوكٍ وَمَالِكْ
أدْرِي وَلَكِنْ لَا أرَى فِي كُلِّ هَذَا أيَّ عُذْرٍ لِاعْتِزَالِكْ
يَا أمَّنا لَا تَفْزَعِي مِنْ سَطْوَةِ السُّلْطَانِ
أيَّةُ سَطْوَةٍ؟
مَا شِئْتِ وَلِّي وَاعْزِلِي
لا يُوْجَدُ السُّلْطَانُ إلا في خَيَالِكْ
يَا أمَّتي يا ظَبْيَةً فِي الغَارِ تَسْـألُني وَتُلحِفُ: "هَلْ سَأَنْجُو؟"
قُلْتُ: " أَنْتِ سَألْتِنِي مِنْ ألْفِ عَامٍ
إنَّ في هَذَا الإِجَابَةَ عَنْ سُؤَالِكْ"
يَا أمَّتِي أدْرِي بأنَّ الـمَرْءَ قَدْ يَخْشَى الـمَهَالِكْ
لَكِنْ أذَكِّرُكُمْ فَقَطْ فَتَذَكَّرُوا
قَدْ كَانَ هَذَا كُلُّهُ مِنْ قَبْلُ وَاجْتَزْنَا بِهِ
لا شَيْءَ مِنْ هَذَا يُخِيْفُ
وَلا مُفَاجَأَةٌ هُنَالِكْ
يَا أمَّتِي ارْتَبِكِي قَلِيلاً
إِنَّهُ أَمْرٌ طَبِيْعِيٌّ
وَقُومِي
إنه أَمْرٌ طَبِيْعِيٌّ كَذَلِكْ
تميم البرغوثي